في ذكرى رحيل الشهيد عبدالله الاول بن الحسين

فـي ذكرى رحيل الشهيد عبد الله بن الحسين

من مكة الى معان ثم عمان فالقدس .. تلك رحلة التأسيس الصعبة لميلاد هذا الوطن الاردني الذي نزهو به .. لم تكن الرحلة سهلة ولكن فارسها عرف كيف يعبر بها من لحظة الولادة حتى اثمرت ومازالت ثمارها تطرح الان في المملكة الرابعة حيث يقود الحفيد المسيرة ..

المؤسس الذي تصادف اليوم ذكرى استشهاده برصاصة غادرة في ساحة الحرم وهو ينهي صلاته في اولى القبلتين حيث اتم حياته التي بدأت في بطاح مكة وامام الحرم ايضاً.. كان له الفضل في زراعة هذه البذرة الطيبة وتعهدها في زمن قاس من التحديات الجسيمة ..

من مكة كانت مسيرته وفي معان كان نداؤه على احرار الامة الذين جاءوه من فلسطين والشام وبيروت ليبايعوه اميراً للعرب وفي معسكره شرح فكره واسس جريدة الحق يعلو .. ثم انتقل الى عمان ، فاحتشدت له الجماهير التي حيته واستقبلته وهتفت لابن بنت رسول الله . وفي محطتها قال لهم '' والله ما جاء بي الاّ حميتي ولو ان لي سبعين نفساً لبذلتها في سبيلكم ''.. كان ذلك يوم الاربعاء في الثاني من اذار عام 1921 حيث انطلقت رحلة تأسيس الامارة .. فالمملكة ..

وفي الحادي والعشرين من نيسان كان تشكيل الحكومة الاولى برئاسة اللبناني رشيد طليع وكان اسم رئيس الوزراء ( الكاتب الاداري ) ومجلس الوزراء ( مجلس المشاورين ) وعددهم سبعة ..

كانت مهمة الامير عسيرة في توحيد البلاد التي كان يمزقها الانقسام والولايات المتعددة. ووجود الانجليز والمقاومة وتباين الولاءات .. كان على الامير ان يوحد الجغرافيا الاردنية وان يوقف الاضطرابات ويبني الاستقرار وان يبدأ في بناء الاستقلال واستكمال اجراءات الدولة الدستورية بجهود كل ابنائها من مختلف الاصول والمنابت .. وكان عليه ان يواجه التحديات الخارجية في نفس الوقت وان يصد خطة شمول هذه الارض ( شرق الاردن ) بخطة اقامة الوطن القومي اليهودي الذي نص عليه وعد بلفور ولهذه الغاية سافر الى لندن ودخل في مفاوضات صعبة مع الانجليز منذ وصوله في 3/10/1922 الى عودته في 3/1/1923 اي في مدة استغرقت ثلاثة اشهر وقد نجح الامير في ذلك وظل يضع عينيه على الاستقلال الناجز والكامل الذي كان يحتاج الى مزيد من العمل والجهد ووحدة الصف الوطني واستنهاض همم ابناء البلاد فكان اعلان الاستقلال اولياً في 25/5/1923 وقد جاء الاعتراف به من عصبة الامم .. وفي ذلك اليوم اقيمت احتفالات شارك فيها رجالات الاردن وفلسطين والقى سمو الامير خطبة طويلة قال فيها '' فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواماً لها وقائداً لامورها''..

ولكن المندوب السامي في فلسطين هربرت صيموئيل شاغب على الاستقلال وحاول الانتقاص منه بادعائه ان تكون الحكومة دستورية ولكن الامير صمد ومضى يعمل وينظم شؤون الدولة ويبني الادارة ويمكن ممثلي البلاد من سن التشريعات وكان ان تحقق استقلال شرق الاردن التي كانت تعرف انذاك باسم حكومة الشرق العربي وذلك في عام 1929 وتحديدا في 29/10/1929 وتوجه الامير ليسند التمثيل الشعبي ويساعد في بلورته وتكوينه وقد ظهرت احزاب منها حزب الاستقلال العربي (1921) الذي الفه رشيد طليع وحزب العهد العربي الذي دعى لاستقلال سوريا الكبرى الذي طالب ان تكون تحت ادارة ابناء الحسين بن علي . ثم جمعية الشرق العربي ...وحزب الشعب الاردني الذي تشكل عام ,,1927.

وقد مرت البلاد بظروف صعبة اثناء الحرب العالمية الثانيه ظل الامير يلح فيها مستندا الى اصوات الاردنيين بضرورة الحصول على الاستقلال التام حين كانت بريطانيا تتهرب وتتذرع بانشغالها بالحرب .ولم يكن ذلك الا في عام 1946 حيث اعترفت هيئة الامم به والتي لم يكن قد مضى على قيامها سوى عام وهكذا جرى اعلان الاستقلال التام الذي ولد امام تحديات تعصف بالقضية الفلسطينية التي واجهت احتلال الارض الفلسطينية عام 1948 واقتلاع اهلها وتبديدهم ليكون الاردن اكبر دولة وصلها اللاجئون .وقد حرص الامير على الحفاظ على حق العرب و الفلسطينيين حين اعلن قيام اسرائيل فكان انضمام الجزء المتبقي في الضفة الغربية الى الاردن في وحدة هي وحدة الضفتين وهي الوحدة الانبل والاعمق في سجل الوحدة العربية رغم ما واجهها من جحود ونكران . وكان الامير احرص ما يكون على انقاذ القدس الشريف والحفاظ عليها بعد ان قاتل الجيش العربي على اسوارها لتبقى عربية وفي سبيل ان تظل كذلك وان تسلم من الاحتلال الذي اصاب جزئها الغربي اصر الملك عبدالله الاول على زيارتها والصلاة في مسجدها الاقصى رغم تحذيرات الانجليز وغيرهم ولكنه مضى كما مضى جده الحسين الاول في كربلاء الى ان استشهد برصاصات غادرة ليسلم الراية لحفيده الحسين الباني وهي الراية التي اتصلت حتى اليوم لترفرف في سماء هذا الوطن المستقل الجميل الذي يفتح قائده وابناؤه عيونهم واسعة لحمايته من كل المخططات التي سقطت والتي تحاك.. رحم الله الشهيد المؤسس ..الذي لولا دهاؤه وعبقريته وصموده وارادته وعروبته وعمق اسلامه ما كان لهذا الوطن ان يقوم ولا لراياته ان ترفرف وتواصل الخفقان مع قلوب كل الاردنيين ..